ناصر أبوطاحون يكتب: من خروف القليوبية إلى حريق البحيرة إهمالٌ متجدد

مع كل كارثة تحل بنا و تترك أثرها غائرا فى جبهة الوطن نتذكر الفريضة الغائبة فى بلادنا و هى الأمن الصناعى تلك الكلمة التى نرددها عندما يكون لأحدنا حاجة فى ترخيص محل أو بناء ورشة او ما شابه ذلك فيضطر، مكرها، مرغما، ضجراً ، على التردد على ذلك المكتب المسمى بمكتب الأمن الصناعى فى ذلك المكتب يتلقى تعليمات يفترض أن يتبعها لتحقيق الأمن الصناعى فى منشأته، فيسعى بكل ما أوتى من قوة و اتصالات و علاقات لكى يتجنبها و يحصل على الترخيص!! عندما وقعت حادثة ايتاى البارود الشهيرة أول امس قفز إلى ذهنى واقعة حدثت فى منتصف التسعينات من القرن الماضى فى إحدى قرى محافظة القليوبية التابعة لمنطقة قليوب، أعتقد أن اسمها "نوى" حيث تناقلت وسائل الإعلام المختلفة أخبار إصابة أسرة بتلك القرية بمرض غريب لا يستطيع الأطباء تشخيصه، و لا علاجه، و الأمر يتفاقم و ظل الأمر محيراً حتى أصيب خروف تلك العائلة بنفس المرض و نفق ، مما اضطر الدولة و أجهزتها للاستنفار واستحضار كل القدرات العلمية لكشف حقيقة الأمر بعد أن أحدث هلعاً فى المنطقة و كانت النتيجة أنهم اكتشفوا زيادة كبيرة فى نسبة الإشعاع فى المنزل المنكوب و بالتفتيش تبين وجود شىء لا يجب ان يتواجد على الإطلاق كان أحد ابناء العائلة يعمل عامل لحام فى إحدى الشركات الكبرى التى تتولى مد خطوط البترول، و استهوته إحدى القطع المستخدمة فى عمليات اللحام بعد ان اتنتهى دورها، فقرر ان يحتفظ بها بظن انها ذهب أو معدن غالى الثمن و أخذها ليحتفظ بها فى دولاب غرفة النوم ، بينما مكانها الوحيد داخل حاوية يتم التخلص منها بشكل معين لمنع انبعاث اثارها الخطيرة هذا العامل ظن ان القطعة المشعة القاتلة ذهبا فاحتفظ بها فأهلكت العائلة مرضا و رعبا و هو لا يختلف فى شىء عن بقية الناس الذين هرعوا لموقع تدفق البنزين من الخط الذى تعرض لعملية سطو هم كانو يظنون أنهم يحسنون صنعا بشفط كمية من البنزين لتموين  تكاتك و موتوسيكلات و سيارات و الاتجار فى الباقى، و كانت النتيجة كما رأينا حريقا مهولا و ضحايا و رغم كل شىء إلا ان العناية الإلهية اوقفت عدد الضحايا عند اقل الأرقام الممكنة كان من الممكن ان تحترق العزبة بالكامل فجميعهم كانو فى قلب نهر البنزين المتدفق. لقد أعمت قطعة الذهب المزعومة أخانا فى القليوبية فاحتفظ بها فى بيته، كما أعمت الرغبة فى نيل أى شىء مجانا أهلنا فى إيتاى البارود عن الخطر الرهيب و النار المحتملة المدمرة فلا يوجد شىء فى بلادنا اسمه الأمن الصناعى الحقيقى و لو كلمت أحدهم عنه فلن تسمع سوى كلمة واحدة " يا عم خليها على الله" رغم أن نبينا الكريم امرنا أن نعقلها و نتوكل أى نتخذ كل إجراءات الأمن و السلامة ثم نتوكل على الله ، وقتها سيحمينا الله من الخطر لو وقع الكارثة الأكبر أن حادثة تسلمنا لأخرى و لا يوجد رغبة فى إحداث قفزة على هذا الصعيد المتعلق بالأمن الصناعى و السلامة المهنية، سواء كنا مسئولين أو أهالى فالتقصير فى هذا الملف يخص الجميع فلعل تحرك وزارة البترول كان أقل من المطلوب و أبطأ مما يجب ، فى حين كان تحرك محافظة البحيرة بكل أجهزتها أقل من الصفر فلا فرض كردون أمنى و لا ابعاد للناس و لا حماية لمكان التسريب أما تحرك الأهالى فيكشف عن مواطن يحتاج لإعادة تأهيل فيما يخص السلامة و الأمن ليس فى الأماكن العامة فقط بل و فى المنازل ايضا ربما تدفعنا الحاجة و الفقر إلى ركوب المخاطر ، و لكن نتائج المخاطر أفدح و أعظم و أبقى أثرا ،